مع تصاعد انتفاضات الناس ضد الحكام في تونس ومصر واليمن وليبيا والبحرين، ومع التأهب لانتفاضات تتولد في سوريا والجزائر والسودان وغيرها، تتابع أحداث التنكيل والقتل الذي تمارسه زبانية الأنظمة العربية بأوامر رؤسائها، وتتكرر مشاهد "البلطجية" وهم يستشرسون ضد كل من يخرج على الحكام، حنى وصل الأمر بالقذافي أن يقصف شعبه، بل وأن يعمل على تدمير مقومات القوة في ليبيا من خلال استهداف مخازن السلاح فيها.
***
إن هذه الوحشية التي يقودها الحكام ضد المحكومين كلما قرروا أن يتنفسوا شيئا من الكرامة وكلما تطلعوا للتخلص من هؤلاء الرابضين على صدورهم لتوحي بأن من يدير دفة الصراع ضد الشعوب هم رؤساء عصابات وليسوا حكاما.
إن الحاكم يكون كما الأم الرؤوم على من يحكم، وهو يحسب لموقف السؤال أمام رب العباد ألف حساب، كحال عمر رضي الله عنه، عندما قال: "لو أن شاة عثرت في العراق لسُئل عنها عمر".
كم حجم الجرائم التي سيسأل عنها زعماء العصابات في الأنظمة العربية ؟ وكم هي الأرواح التي أزهقوها بسلاح رصدوه لمواجهة الأمة وقمعها فيما رفضوا رفضا قاطعا استخدامه للدفاع عن الأمة ولتحرير بلادها ؟ وكم هي المليارات من الأموال العامة التي نهبوها فيما أبقوا الملايين من الناس تحت خط الفقر!
إن الحكم الصالح يعني رعاية شؤون الناس ومصالحهم وحفظ حقوقهم في ملكياتهم العامة من المعادن والنفط والثروات الطبعية، وحماية مبدئهم ووحدتهم، لا قمعهم والتنكيل بهم بل والهجوم عليهم كأنهم أعداء، بعد حرمانهم من كل حقوقهم.
وبكل أسف فإن هذه الأنظمة لا تتعلم الدرس من صمود الناس عندما تُقرر أن تسقط الأنظمة وتستعيد حقوقها، بل إن الأنظمة تؤكد أن العقل فيها مُخرّب وهي تكرر تجريب المجرّب. ولو كان في هؤلاء الحكام بقية من وعي وحكمة لتراجعوا وهم في سَعة من أمرهم، ولكنهم لا يتعظون، بل يستمرون في غيّهم وفي تجبرهم حتى آخر لحظة، ويتحولون بعدها إلى مجرمين تطاردهم المحاكم وتلعنهم الشعوب.
ولا شك أن المنتفضين من أبناء الأمة قد تشرّبوا مفهوم الحديث الشريف الذي رواه أبو داود:
"أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر أو أمير جائر"
فكيف يمكن أن يرضخ من يحمل مثل هذا المفهوم أمام العصابات الأمنية والكوادر المرتزقة ؟ وشتان بين من يكافح لأجل قضية يحملها وبين من هو مأجور عند صاحب سلطان جائر وخصوصا في ظل غضبة تجتاح الأمة وتعيد الحياة في أوصالها من جديد !